أزمة الإشتراكية العربية: 1- اليسار القومي (1)
الصورة من مقال: أزمة وجودية ..ماذا تبقى من اليسار العربى ؟
بلا شك، الإشتراكية على المستوى العالمي في أزمة.
وأسباب هذه الأزمة كثيرة ومتعددة: فشل التجارب “الإشتراكية” في القرن العشرين، القمع، ميل كثير من الحركات اليسارية إلى الإصلاح السياسي الحكومي، إلخ.
وما يعتبر “الأزمة داخل الأزمة”، هو أن النظام الرأسمالي نفسه في شكله النيوليبرالي في أزمة - إذا اعتبرنا أن الأزمة الإقتصادية هي أن البرجوازيات المختلفة غير قادرة على “شراء” السلام الإجتماعي أو أن تحل أزامتها الداخلية - مما يجعل ويجبر الشعوب إلى إيجاد حلول سياسية وإجتماعية ما.
أما في مطنقتنا العربية، الوضع كارثي في حقيقة الأمر حيث أن الأحزاب اليسارية والإشتراكية ضعيفة أو غير موجودة من الأساس لأسباب يطول شرحها. ولكن الأسوأ من ذلك أننا نرى ميل أغلب الحركات الإشتراكية العربية إلى اتجاهات فكرية وسياسية مضرة - في رأينا - للحركة نفسها.
سنبدأ إذا بما نسميه “اليسار القومي” ولكن نؤكد أنها ليست الحركة السياسية "الإشتراكية" الوحيدة التي ستكون موضوع انتقادنا.
اليسار القومي والإمبريالية
كتب المؤرخ والصحفي الفرنسي “جاك بانفيل”:”أن تكون قومي هو أن تكون في موقف دفاعي، استلزمه ضعف الدولة”.
تلخص هذه الجملة وحدها - تقريبًا - موقف اليسار القومي. ولكن من تلك الملاحظة أيضا تبدأ - في رأينا - مشاكل التحليل (الذي يأتي معها الاتهامات الفارغة والتخوين، إلخ).
ينطلق اليسار القومي من ملاحظة بسيطة ومحورية: الدول العربية واقتصاداتها ومجتمعاتها ضعيفة، وتهيمن عليها الإمبريالية الغربية (خاصة الأمريكية) اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وعسكريا، إلخ. وتتحول تلك الملاحظة - الحقيقية في رأينا ولا جدال في ذلك - إلى هاجس. فلليسار القومي، كل كوارث مجتمعاتنا ودولنا تأتي بشكل رئيسي من هذه الهيمنة الغربية، وبالتالي فإن كل هذه الكوارث لها حل: معاداة الإمبريالية.
ولكن يؤدي هذا الهاجس - في رأينا - إلى مشاكل كثيرة التي سنحاول سردها هنا وتطوير نقد تلك الأفكار فيما بعد:
1- تتحول معاداة الإمبريالية عند اليسار القومي العربي إلى معاداة الغرب ككل - وهذا يشمل بالطبع الثقافة الغربية - وهو رفض شوفيني أكثر من أي شيء آخر ينطلق في الواقع من شعور بالإذلال الدائم إتجاه الهيمنة الغربية.
2- يتهم في الغالب اليسار القومي العربي كل الذين لا يتفقون مع أفكاره، بالتخوين. فبالنسبة لليسار العربي في أغلب الأحوال، أي شخص ينتقد القومية أو مواقفهم الفاشية - وهذا ليس اتهامًا أخلاقيًا (سنطور تلك الفكرة لاحقًا) - هو عميل أجنبي. وهنا لا يختلفون عن ديكتاتوريات الشرق الأوسط.
3- يدفع كراهيتهم للغرب إلى انتقاد أي فكرة تأتي من هذا الأخير. انتقادهم لحقوق الإنسان على سبيل المثال، هو نقد تبسيطي يردد بشكل عام دعاية دول الشرق الأوسط (أي أن حقوق الإنسان وأولئك الذين يدافعون عنها هم عملاء أجانب كما قلنا من قبل) ولا يطور أي نقد قوي للمعسكر المسمى باليسار الليبرالي (سنعود إلى تلك النقطة)
4- هاجسهم بالغرب والإمبريالية، يؤدي بالطبع إلى نظريات سياسية مبنية على الهاجس بالمؤمرات الغربية بدون أي تردد، وهذا ما انتقدناه في مقال آخر.
5- يدفع هاجس اليسار القومي العربي بالإمبريالية الغربية إلى تطبيق فكرة “عدو عدوي صديقي” إلى مستوايات متطرفة (الحرب الروسية الأوكرانية أقرب مثال) - وأحيانا لا يعتبرون أن هناك عداواة من الأصل - حيث إنهم مستعدون أن يتحالفون نظريا أو واقعيا مع أسوأ المعسكرات العالمية أو المحلية من أجل “محاربة الإمبريالية الغربية/الغرب”، وعلى هذا الأساس يطورون حجج بعيدة كل البعد عن الواقع، مثل “إشتراكية الصين” (أنظر إلى مقالات عامر محسن).
6- بالطبع لا داعي أن نؤكد أن اليسار القومي العربي يدافع (ويمجد أحيانا) عن بعض الأنظمة القومية السابقة التي سحقت اليسار تماما بل أي نوع من أنواع التنظيم السياسي بإسم تلك القومية (تجربة دولة يوليو في مصر على سبيل المثال)، مما يؤكد لنا (وسنطور تلك الحجة بعد ذلك) أن تلك الحركات اليسارية العربية القومية هي في الغالب حركات ذو طابع فاشي قوي.
وسننتقد في المقالات التالية غالبية هذه الأفكار الأساسية لليسار القومي العربي، حيث نعتبر أن هذه الأفكار مهم نقدها في الوقت الحالي.