أزمة الإشتراكية العربية (2): هل اليسار القومي العربي فاشي؟ أولا تعريف الفاشية
لقد سردنا في المقال السابق نقط عديدة تنقد ما يسمى باليسار القومي العربي.
الغرض من هذه السلسلة من المقالات هو الوصول إلى فكرة معينة يمكن، وهي أن هناك إمكانيات وأفكار فاشية داخل حركة اليسار القومي العربي.
بالتأكيد لا نعني بكلمة فاشية أي نوع من أنواع الوصم الأخلاقي كما يحدث في غالب الأمر، حيث تتبادل أغلبية المعسكرات السياسية تلك التهمة.
ولكن نعني بالفاشية مجموعة أيديولوجية محددة مقترنة بحركة اجتماعية وطبقية معينة. لذلك، يجب علينا تعريف الفاشية قبل ربط تعريفنا بنقدنا للحركة اليسارية القومية العربية.
صعوبة تعريف الفاشية
تكمن مشكلة تحليل حركة سياسية معقدة مثل الفاشية في أنها تخلق الكثير من المشاكل والتعقيدات النظرية، التي تؤدي إلى تعريفات لا علاقة لها ببعضها البعض.
فهل الفاشية حركة أوروبية؟ هل هي مرتبطة بسياق الحرب العالمية الأولى والثانية في أوروبا وفقط؟ هل هي ناقدة “للحداثة” أم هي تطور لها؟ هل هي حركة إجتماعية؟ هل هي حركة قومية متطرفة؟ إلخ.
هناك مثلا كاتب فرنسي فاشي واسمه “موريس بارديش” كان يرى مثلا أن عبد الناصر فاشي لأسباب عديدة.
وهناك أمثلة أخرى مثل “مارك أنجينو”، كاتب بلجيكي-كندي، الذي عرض في كتابه “الحصانة الفرنسية من الفاشية” الصراعات الأيدولوجية العديدة التي حدثت بين مفكرين ومؤرخين غربيين عن تعريف الفاشية ومن أين أتت بالأساس (هل بدأت من فرنسا أم من ألمانيا؟ إلخ) أو كتيب أبرتو إيكو.
إذا التعريف واسع والآراء مختلفة تماما أحيانا في موضوع الفاشية. وللوصول إلى لب الموضوع، سنحاول تلخيص تعريفنا للفاشية أيدولوجيا (وهو قريب جدًا من Umberto Eco في بعض النقاط).
ما الفاشية؟
إذا تركنا جانباً السياق التاريخي الذي أدى إلى الفاشية في أوروبا (الماضي الاستعماري الأوروبي والأفكار الرجعية والعنصرية التي كانت موجودة قبل حتى الحرب العالمية الأولى، وكراهية اليهود القديمة، الحرب العالمية الأولى نفسها، خوف البرجوازيات الأوروبية من الشيوعية بعد عام 1917، إلخ.)، سنرى أن هناك “كتلة أيديولوجية” مشتركة معينة (مع وجود اختلافات بالطبع).
سنحلل ونطرح خصوصا الأفكار الرئيسية التي نجدها مهمة لأن الهدف ليس أن نقول أن معسكر اليسار القومي العربي يساوي الفاشية، ولكن أن نقول أن هناك إمكانيات فاشية (وأحيانًا أكثر من الإمكانيات بالفعل)، من خلال استمرارية بعض الأفكار والحجج المطروحة والدفاع عن بعض الأنظمة السياسية (العربية والغير عربية).
إذا الفاشية بالنسبة لنا تقوم على عدة نقاط (الأهم بالنسبة لنا):
1-شعور بالإذلال الوطني (حقيقي في غالب الأمر) الذي يقود إلى النزعة القومية المتطرفة والشوفينية.
2- مما يؤدي أيضًا إلى رؤية أعداء داخليين وخارجيين في كل مكان وطوال الوقت، سواء كان هؤلاء الأعداء موجودون بالفعل أم لا.
3-الرغبة في زعيم قوي وقائد، يكون المنقذ القادر على "توجيه" المجتمع وانقاذه من الوضع الداخلي والخارجي.
4- هذا الزعيم القوي عليه أن ينهي الصراع الطبقي، حتى يتحول المجتمع بتناقضاته إلى “الشعب”، تلك الكتلة الموحدة التي تسير خلف الزعيم والتي من السهل عسكرتها.
ملاحظة: هنا نتفق مع المفكر “بيجودو” عندما يقول أن فاشية المرشح الفرنسي زيمور ليس في كرهيته للعرب والمسلمين فقط، وكلن خصوصا عندما تمنى (في خطاب له):”إنهاء الصراع الطبقي” (مما يخدم بالقطع الطبقات البرجوازية). لذلك أيضا نعتبر أن جزء كبير من بنية دولة يوليو في مصر هي بنية فاشية، وهذا نراه أيضا في خطابات وكتابات الستينيات. فمثلا نجد الفكرة المذكورة أعلاه (وضع حد للصراع الطبقي) على سبيل المثال في ما يقوله مصطفى أمين:”قاطعة بأن ليس في بلادنا اليوم…مؤيدون ومعارضون…فعبد الناصر هو رمز للتاحلف بين كل طبقات هذا الشعب” (1965، اقتباس من الكاتب شريف يونس، الزحف المقدس، الصفحة 141).
5- اختفاء دور المؤسسات، رغم أنها تعمل بالفعل ويمكن أن يكون لها وظيفة ودور مهم في إدارة الدولة والمجتمع. ومع ذلك، فإن الزعيم لديه "الكاريزما" ويتحدث مباشرة إلى الجماهير خارج المؤسسات. (هذا موصوف مثلا في كتاب “الزحف المقدس” المذكور أعلاه). فيصبح كما يُقال في مسرحية معروفة :”أنت الشعب، والشعب أنت”، لإن الإرادة الشمولية، لمحو كل معارضة يمينية أو يسارية وكل سياسات خارج الدولة، حقيقية وتريد أن تكون من خلال الجماهير نفسها التي هي استمرار جسدي ونفسي للقائد.
6- عسكرة المجتمع، واستخدام القوة العسكرية الرسمية أو الغير الرسمية لترهيب المعارضين ولتوحيد الصف.
7-الرغبة في وجود "الجماهير" والتحدث إلى "الجماهير" ولكن بالطبع الجماهير مفعول بها وتسيطر عليها الدولة أو الحزب أو كلاهما، وهذه نقطة اختلاف مع غالبية الديكتاتوريات "الكلاسيكية".
8-كراهية الديمقراطية الليبرالية. ليس لأن مؤسساتها برجوازية، بل لأنها تؤدي إلى مناقشات لا تنتهي وإلى “مناورات” حزبية وألاعيب سياسية (وهو أمر يمكن نقده أيضًا). تريد الفاشية "قرارات قوية وسريعة"و”حزم”. لا للنقاش: وبالتالي يجب كنس تلك الثرثرة الديمقراطية أو تقليلها، وتقليل الأحزاب السياسية وبالتالي كنس الحياة السياسية تماما.
9-”كل شيء داخل الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة!”
هذه عبارة من موسوليني تلخص بوضوح ما قلناه. إن الفاشية تضع الدولة في قلب كل شيء (الاقتصاد، الفن، الثقافة، السياسة، إلخ)، وهذا فخ تقع فيه بعض الحركات تدعي نفسها بأنها “يسارية” (مثل اليسار القومي العربي) حيث أنها تؤيد أي زعيم كاريزمي يضع سياسة اجتماعية أو تميل للطبقات الوسطى أو الفقيرة بعض الشيء وتدعي أن هذا “يسار” أو “الطريق إلى الإشتراكية” (سوف نرى هذا في المقال التالي).
نرى إذا أن تلك النقاط تؤسس أيدولوجية فاشية، ولا يجب أن تكون تلك نقاط تراكمية. فمن الممكن أن اليسار القومي العربي لا يراكم كل النقاط المذكورة أعلاه ولكن يراكم العديد منها، لذلك نرى أن هناك “إمكانيات” فاشية داخل هذه الحركة “اليسارية”.
سوف نحاول إذا في المقال التالي شرح الرابط الأيدولوجي بين الفاشية (التي تم تفسيرها بشكل سريع في هذا المقال) واليسار القومي العربي.